مقالات الرأي والأعمدة

من أعلى المنصة ياسر الفادني يكتب السادات

من أعلى المنصة

ياسر الفادني

السادات…

في مدحة السادات “أنوارهم باهرة في الظلمات عيون ساهرة ” كما أداها عاشق الجناب المحمدي المادح أحمد الأمين على ، تتجلى روحانية فريدة تلتقط وجدان المستمع قبل سمعه، وتطوي المسافة بين الدنيا والسرّ المادح لا ينشد فقط، بل يتقمص حالًا من التجرّد والهيام، مستحضِرًا السادات كأنوار باهرة في ليلٍ معتم، يرقبهم بعين القلب قبل الأذن، ويمدحهم من مقام المحبة لا من حنجرة الأداء

اللحن ينبع من عصف الراوي الذي تمرغ في حب المصطفي هياما وحبا واهل الذكر المادح( الخضر) ، الذي يشير هنا إلى الإلهام المباشر المستمد من الذوق العرفاني والتسليم الروحي، الانغام خرجت من لحن لا يمشي على خطّ تقليدي صلد، بل يتقافز بين طبقات موسيقية بأجنحة من وجدٍ، يتأرجح فيها بين مقام الصبا وبيات روحي، ويهبط برقة إلى نهاوند مضمّخ بالحزن اللذيذ، ثم يعود بجرأة إلى راست يشرق نورًا ، هذه التلاوين، المتداخلة بانسيابية، تكشف عن قدرة موسيقية عالية التذوق، تستغل الجمل الموسيقية كأنفاسِ ذِكر لا كنصّ غنائي

في صوت أحمد الأمين، نسمع الطمأنينة والرهبة، القوة والدمعة، كأنه لا يملك الصوت، بل الصوت يمتلكه. صوته ليس مستعرضًا بل متقشّفًا، رزينًا، يهبط إلى قرار يشبه وقار الأولياء، ويعلو دون تكلّف كما تصعد أرواح العاشقين في حضرة محبوبهم، الأداء ناضج بلا استعراض، مخلص بلا اصطناع، يحمل في طبقاته كل ما يُطلب من الفخامة: عمق، حرارة، وبساطة تشبه تراب المقام

النص نفسه مكتنز بالبلاغة الجوانية، التي لا تحتاج زخرفة بيانية بقدر ما تُحاك بإحساس دفين وكلمات سهلة يتكرر فيها لفظ “أنوار”، في استعارة متكررة تشير إلى المقامات، و”عيونهم ساهرة” كناية عن دوام الحضور والرقابة النورانية، المدحة تنبني على الموازنة بين الظلمة والنور، الغياب والحضور، وهي ثنائية عرفانية ترمز إلى إنكسار النفس في مواجهة السطوع الروحي،تتجلى هذه في اوصاف بلاغية ومتاججة بعاطفة ذكر الله، ومشحونة بجمال المعاني (الدخلو القرة …ما انتظرولك اكل البرة)( مابخافو الأسد النمر الفرة)….( الصاحية عيونن في سر الله طاوية بطونن… الفتحو لونن جابو فنونن أحمر واصفر لونن ) تشابيه وصفية عاطفية قوية تتحلي ببساطة السهل الممتنع السلس البلاغي الجميل العذب

لكن الأجمل، ما تحمله المدحة من رسائل خفية للذاكرين: أن السير لا يكون في الطرقات فقط، بل في القلوب، أن حب السادات هو بعض حب الحق، أن من رأى النور فيهم، رأى المرسِل قبل المُرسَل، وأن المديح، متى صلح حاله، صار بابًا للمعرفة لا مجرد قصيدة

إني من منصتي أستمع…. بحب…. لمدحة السادات (أنوارهم باهرة في الظلمات عيونن ساهرة) ، حيث يقف أحمد الأمين مديحًا لا مادحًا، ويدخل السامعين في حضرة يُخجل فيها الكلام، وفي كل مرة نسمع، نُسحب من عالم الضجيج إلى مقام السكون، ونذكّر أنفسنا: السادات… (ما مثلهم أحد ) ! حيي الله السادات …الذاكرين… وصلوا علي سيد و إمام الذاكرين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى