*دولة القانون* *لجان تقصي الحقائق [2]*بقلم.. الأستاذ عبدالعظيم حسن المحامي
يذهب معظم الفقهاء إلى أن القوانين الوطنية والدولية تأسست على ضرورة استنفاذ الوسائل المتاحة قبل اللجوء للمحاكم المحلية أو المنابر الإقليمية والدولية. اللجوء للمحكمة الإدارية، على سبيل المثال، يستوجب على من يطعن في قرار الموظف الأدنى أن يلجأ ويستأنف أمام الموظف الأعلى وإلا كان الطعن سابق لأوانه. على المستوى الإقليمي والدولي ذات المبدأ معمول به، لذا انتهت عدة قرارات صادرة عن لجنة حقوق الإنسان الأفريقية لقبول طلبات أودعها مكتب المحامي غازي سليمان ضد حكومة السودان ورفضت أخرى بحجة أن الأستاذ غازي سليمان لم يستنفذ طرق التظلم المقررة بموجب القانون الوطني. كذا لا تجوز المحاكمات أمام محكمة الجنايات الدولية إلا إذا ثبت أن المحاكم الوطنية غير قائمة أو عاجزة أو غير راغبة في قبول الاختصاص.
ثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أن لا المجتمع الدولي ولا الإقليمي على دراية بطبيعة مشكلات السودان والسودانيين. بكلمة واحدة، صراعات فرقاء السودان لن يستطيع حلها إلا السودانيين أنفسهم. فقبل التمسك أو البحث عن لجان دولية أو إقليمية للتفوض أو لتقصي الحقائق سواء المتعلقة بأسباب اندلاع هذه الحرب أو الجرائم المترتبة عليها فإن السؤال المنطقي والذي يثور بشدة هو غياب الجهات القانونية الوطنية الطارحة ولو رؤية لآلية التصدي لهذه الحرب وتداعياتها. أليس بغريب أن يغيب الدور المهني ويسيطر اللون السياسي لبعض المجموعات التي تخندقت مع جهات محسوبة على الصراع؟ على أي حال، مهما كان عمق الخلاف فالواجب المهني يملئ على القانونيين السودانيين واجب التصدي وتقديم وصفة الحل.
صحيح أن الوصول لهولاء القانونيين ليس بالأمر السهل، وحتماً سيواجه عدة صعوبات. من أهم تلك الصعوبات هو عدم ثقة السودانيين وحتى المهنيين بأنفسهم. وانعدام الثقة هذا ليس بمرض جديد وإنما تاريخي ومرتبط بنشأة التجربة السياسية السودانية التي كانت آخر إفرازاتها هذه الحرب. فتاريخياً، ولتقرير المصير انقسم السودانيين لفريقين، أحدهما تمسك بالاتحاد مع مصر بينما توجه الأغلبية إلى أن السودان للسودانيين. بلا شك، فجرثومة الفرقة ليست لذاتها بقدرما هي علامة على أننا لا نثق بأنفسنا ومقدراتنا لهذا فإما منتظرين أو مهرولين للغير. المؤكد أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، والغير ليس لديه الحلول بقدرما الرغبة في الاستثمار في مشكلاتنا وثرواتنا. مهما يكن من أمر، ولكي تنشأ لجنة تقصي حقائق قادرة على تقديم تقارير شفافة وموثوق بها يمكن أن نبدأ من لجنة تسيير نقابة المحامين السودانيين. فرئيس هذه اللجنة، وبحكم المنصب يضطلع بمهام نقيب المحامين. هذا النقيب مطالب أمام الشعب والمحامين أن يرجع لقواعده طارحاً ولو محاولة لآلية تقصي حقائق من قانونيين وقانونيات مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، فهل من مجيب؟