تواجه حرباً أرهقتها وأضعفت قدراتها...الدولة السودانية..ثبات في وجه الأزمات
إرادة قوية من القيادة للحفاظ على شكل الدولة بأجهزتها المختلفة..
عثمان واش: تماسك الدولة السودانية اتخذ مرجعيته من الإدارة الأهلية..
الطيب بدوي: لو واجهت دولة أوروبية حرب السودان لانهارت مبكراً..
دعوات للبرهان باستعجال تشكيل حكومة التكنوقراط لإسناد الجيش..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو.
بحلول الخامس عشر من يوليو ٢٠٢٤م، تكون الحرب في السودان قد دخلت شهرها السادس عشر، وقد جرت الكثير من المياه تحت جسر هذه الحرب منذ أن انطلقت أول رصاصة من بندقية غـدر وخيانة الميليشيا في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، مسنودة من تحالف المجلس المركزي قوى الحرية والتغيير، ومدعومة بعدد من المحاور الإقليمية والدولية وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية، حيث توسعت دائرة هذه الحرب لتشمل عدة ولايات بعد أن كانت بداياتها بالعاصمة الخرطوم التي كان يعتزم قائد الميليشيا المتمردة إعلان سيطرته على مقاليد الأمور وتقويض نظام الحكم السودان.
أوضاع مأساوية:
لقد خلّفت حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، أوضاعاً مأسوية على جميع السودانيين دون استثناء، فقد أكلت الأخضر واليابس، وأحيطت بثروات وموارد السودان وجعلت منه بلداً خاوياً على عروشه، إذ تعطّلت قدرة مؤسسات الدولة الحكومية منها والخاصة، لاسيما الموجودة في العاصمة الخرطوم وما أكثرها، فانهارت وفق لذلك الخدمات الضرورية للمواطنين، وضعُفت قطاعات الإنتاج، واجتهدت الحكومة بعد انتقالها إلى العاصمة الإدارية المؤقتة في مدينة بورتسودان من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال وضع بعض المعالجات التي نجحت إلى حدٍّ كبير في الحفاظ على شكل الدولة بوجود آليات الحكم المتمثلة في مجلس السيادة الانتقالي، وفي الوزارات والمؤسسات، أضافة إلى حكومات الولايات الآمنة.
اجتهادات وتعقيدات:
وبمرور الوقت بدأت سفينة الحكومة تستوي على الجودي، باجتهادات مكثفة من القطاع الاقتصادي الذي نجح في تجاوز الصدمة الأولى للحرب والتي انهكت القطاع المصرفي، فبدأت وزارة المالية في توفير رواتب العاملين في الدولة تدريجياً وبنسب متفاوتة تتماشى مع راهن الحرب انطلاقاً من مبدأ ( المال تلتو ولا كتلتو) بيد أن تدهور العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، كان التحدي الكبير الذي ما زال يواجه الحكومة، إذ انخفض سعر الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية ووصل مستويات قياسية وتأريخية ارتفعت معها معدلات التضخم وبلغت أرقاماً مخيفة، الأمر الذي يخشى معه خبراء اقتصاديون من انهيار كامل للاقتصاد الوطني ما لم تتوقف الحرب أو تجتهد الحكومة في جلب مدخرات مالية من دول صديقة وشقيقة في ظل ضعف الإنتاج.
حكومة مرتقبة:
وتتوقع الأوساط السودانية أن يفصح رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، عن اسم رئيس الوزراء الذي سيقوم بدوره بالتشاور والتفاكر مع المكونات السودانية المعنية من أجل التوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط تقود البلاد خلال المرحلة المقبلة، ويرى مراقبون أن الحكومة المرتقبة ستعزز من تماسك الدولة وتُكمِل صورتها بوجود جهاز تنفيذي كامل الدسم يقوده رئيس وزراء يُعنى بالتخطيط والعمل من أجل تلبية طموح وأشواق المواطنين في العيش الكريم من خلال توجيه أعمال الوزارات والجهات والهيئات العامة التابعة لها والتنسيق بينها ومتابعتها، وإعداد مشروعات القوانين، وغيرها من الشؤون التنفيذية والإدارية، وهو الأمر الذي يؤكد أن الحكومة المرتقبة حاول تشكيلها، ستتنزل برداً وسلاماً على المؤسسة العسكرية بتخفيف الكثير من الأعباء التي كانت ترهق كاهل هيئة القيادة العليا للقوات المسلحة وتُقعِدها من الاضطلاع بدورها كاملاً في إدارة العمليات القتالية وتنفيذ الخطط العسكرية الرامية إلى القضاء على ميليشيا الدعم السريع ومحوها من المشهد السوداني:
تماسك رغم الاستهداف:
ويؤمن وزير الثقافة السابق المستشار القانوني الأستاذ الطيب حسن بدوي على هذا الدور الكبير الذي يمكن أن تضيفه الحكومة المرتقبة في تعزيز تماسك قيادة الدولة، وينوه بدوي في حديثه للكرامة إلى المجهودات الكبيرة التي تقوم بها حكومة ولاية الخرطوم بقيادة الوالي المقدام أحمد عثمان حمزة، في بسط الخدمات وتطمين المواطنين وتعزيز صمودهم وتشجيع النازحين إلى العودة، ويضيف الوزير السابق أن السودان ورغم أنف الحرب ظل دولة قائمة ومنتصبة تؤدي مهامها بوجه مقبول عطفاً على حسابات الحرب وتداعياتها، وأكد بدوي في حديثه للكرامة أن ما يجابهه السودان حالياً هو استهداف كبير، وغزو ينطلق من محاور إقليمية ودولية لا تتورع في إسناد ميليشيا الدعم السريع ودعمها لوجستياً بالمال والعتاد والقوات، أو دعمها إيحائياً بالصمت المخزي، أو دعمها عبر فتح شارات خضراء لتمرير أجندة التمرد وتمرير أجندة أعداء السودان الطامعين في ثرواته ومقدراته بمساعدة بعض أبناء السودان من العملاء والخونة والمرتزقة، وقال بدوي إن هذه الحرب وبشكلها الذي هو غزو كامل مع سبق الإصرار والترصد لو وقع في دولة غير السودان حتى لو كانت أوروبية لانهارت تماماً، ولكن إرادة الشخصية السودانية وصلابتها وقوة مؤسسات الدولة حالت دون حدوث هذا الانهيار الذي كانت تتوقعه المحاور الداعمة والمساندة للميليشيا المتمردة والتي يرتفع حاجب دهشتها الآن من صمود وثبات الدولة السودانية.
مرجعية أهلية:
ولا يستغرب وزير التعاون الدولي السابق الأستاذ عثمان فضل واش من ثبات وصمود الدولة السودانية في وجه الحرب لنحو عام ونصف، ويقول في حديثه للكرامة إن مؤسسات الدولة السودانية عُرفت بالعراقة وبخاصة أجهزتها الأمنية والعدلية وخدمتها المدنية، وأشار واش في حديثه للكرامة إلى مرجعية راسخة قال إن مؤسسات الدولة استمدت أصولها منها وهي الإدارة الأهلية التي قال إنها سابقة لوجود الدولة السودانية في شكلها الحديث، منوهاً إلى الدور المتعاظم الذي ظلت تضطلع به الإدارة الأهلية في تعزيز التواصل المجتمعي، وفي ما وصفه بخلق إطار مزدوج في الإدارة العامة استفادت منها الحكومات في الحقب المختلفة، وأكد واش أن الإدارة الأهلية ظلت ظهيراً لكل الحكومات والأنظمة المتعاقبة، وساهمت بقدر كبير في تماسك لحمة الدولة ولاسيما في أتون الأزمات التي ضربت البلاد.
استمرار رغم الانهيار:
ويؤكد وزير الثقافة السابق المستشار القانوني الأستاذ الطيب حسن بدوي أن انهيار العاصمة الخرطوم كان يمكن أن يؤدي إلى انهيار السودان برمته ولكن قوة الإرادة التي تمتعت بها قيادة الدولة، دفعتها لنقل العاصمة إلى مدينة بورتسودان لتكون منصة لإدارة الدولة، التي قال إنها تتكامل بأجهزتها المختلفة السيادي والتنفيذي والقضائي، حيث يمارس كل جهاز دوره المناط مجتهداً في تجاوز تداعيات الحرب وإيجاد المعالجات اللازمة للتعايش معها، ونوه الأستاذ الطيب حسن بدوي إلى تجارب دول قال إنها لم تتماسك بمجرد اندلاع نيران الحرب في بعض أجزائها كالتجربة اليمنية التي قال إن جيشها انهار تماماً وانهارت معه كل مفاصل الدولة.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، تبقى الحرب مهلكة ومكلفة وباهظة الثمن، ويُحمد لقيادة البلاد اجتهادها المتعاظم في المحافظة على شكل الدولة ومحاولة التعاطي مع واقع الحرب المؤلم والقاسي، وهي خطوات يمكن أن تتعزز إذا ما سارع رئيس مجلس السيادة وقام بتسمية رئيس وزراء حكومة التكنوقراط المرتقبة، لتشكل إضافة حقيقية للمسيرة القاصدة في هزيمة التمرد وبناء سودان ما بعد الحرب الخالي من المتمردين والخونة والعملاء والمرجفين.