مقالات الرأي والأعمدة

دولة القانون.. عبدالعظيم حسن المحامي..الحرب والوثيقة الدستورية [1]

الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية باتفاق بين القوى المدنية ممثلة في قوى إعلان الحرية والتغيير من جانب، والمجلس العسكري الانتقالي من الآخر. في الثامن عشر من أكتوبر 2020، وبسبب اتفاق سلام جوبا تم إدراج تعديلات غير دستورية على ذات الوثيقة. تمثل عدم الدستورية في كون الوثيقة اشترطت لتعديلها الحصول على أغلبية لا تقل عن ثلثي عضوية المجلس التشريعي الانتقالي. إباحة المادة 25 لمجلسي السيادة والوزراء ممارسة صلاحيات وسلطات المجلس التشريعي لا تعني إطلاق هذه السلطة إلى حد تعديل الوثيقة ذاتها. تجلى خطأ التعديل، وبصورة واضحة، في أن المشرع، بنص الوثيقة، كان قد فرق بين النصاب المطلوب لإصدار التشريعات لحين انعقاد المجلس التشريعي، وبين اختصاصات المجلس التشريعي الانتقالي الحصرية بالذات في شأن تعديل أو إلغاء الوثيقة ذاتها (المادة 78). يترتب على ذلك، وبداهة، امتناع مجلسي السيادة والوزراء من إجراء أي تعديلات سيما وأن المشرع اعتبر صلاحيتي التعديل والإلغاء مما لا يختص بهما إلا المجلس التشريعي الانتقالي وليس السلطة المؤقتة (المجلس المشترك).
من هذا المنعطف تصاعدت الأحداث وعادت البلاد للدائرة الخبيثة عبر بوابة انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021. ولأن قوى إعلان الحرية والتغيير، كانت قد دخلت، ومبكراً، في صراعات وانشقاقات بين مكوناتها، فلم تجد هذه القوى غير أن ترفض الاتفاق الذي أبرمه د. عبد الله حمدوك في الحادي والعشرين من نوفمبر 2021. بهذا الرفض تبددت آخر فرص إنقاذ ما تبقى من تلكم الوثيقة. بالانقلاب انهارت الوثيقة بتعديلاتها الباطلة، فقوى إعلان الحرية والتغيير تلاشت، كما أن حركات سلام جوبا دخلت طرفاً في وثيقة غائبة، وبفرض وجودها، استمسكت بما هو غير دستوري.
الأستاذ نبيل أديب المحامي، وبوصفه رئيس اللجنة القانونية للحرية والتغيير، كان، وبقية أعضاء اللجنة، قد أفتوا للدكتور نصر الدين عبد الباري بعدم جواز تعديل الوثيقة الدستورية. بعبارة أخرى، الأستاذ أديب كان ضد أقحام سلام جوبا بالوثيقة. السؤال الذي يطرح نفسه مجدداً، كيف للأستاذ أديب أن يأتي عقب الانقلاب المذكور، ويفتي بإمكانية العودة لوثيقة سبق وأن قرر بطلان تعديلاتها؟ مرة أخرى هل يريد الأستاذ أديب أن يتولى دور العراب لإجراء تعديلات على وثيقة منقضية الصلاحية؟
بلا شك أن حرب الخامس عشر من أبريل أبرزت واقعاً دستورياً جديداً بالكلية. للخروج من هذا المأزق الدستوري، فلا مناص غير توافق السودانيين، وبكل شجاعة، على شرعية دستورية تتجاوز كل الحرس القديم. الشرعية المطلوبة لإنهاء حروب السودان تستلزم أن يكون على سلم أولوياتها استباب الأمن والعمل على عودة المواطنين لديارهم. يتحقق التوافق والاستقرار عندما تعلن القوات المسلحة عن اسم قائدها العام الجديد ودعوتها للقوى المدنية لترشيح واختيار كفاءات غير منتمية لتدير الانتقال. سيكون لمجرد الإعلان دور حقيقي في بث روح التفاؤل والسلام. بالمقابل، ستفشل أى محاولات تسعى لنفخ الروح في الوثيقة الدستورية. وثيقة الفترة الانتقالية كانت وما زالت وستظل مصدراً للتشاؤم والصراعات. لهذه الحساسية النفسية ينصح معظم القانونيين بالبحث عن أفكار بديلة، ونواصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى