الأخبارسياسي
أخر الأخبار

وسيط يفتقر للثقة ويصرُّ على حضور الجلاد ليراقب الضحايا (الحالة الجنيڤية) سابقة في علم التفاوض

واشنطن تطلق شارة الانطلاق، وتتعشم من السودان الالتحاق..

أمريكا تمضي نحو الفشل في أزمة السودان على طريق الملف الإسرائيلي..

: الحالة الجينفية فريدة وغير مسبوقة في علم التفاوض وتأريخ النزاعات..

الجنرال معاوية: واشنطن تحاول تجريب ” حلاقة على رؤوس السودانيين”..

بدوي: ما يحدث في جنيف قرصنة، وطباخة بأيدي الآلية الرباعية..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

لليوم السادس على التوالي تتواصل بجنيف المفاوضات التي تبحث سبل وقف الحرب وآلياتها وإدخال المساعدات الإنسانية، بمشاركة وفد ميليشيا الدعم السريع، وغياب وفد الحكومة السودانية، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي إن الإدارة الأمريكية لا تزال تصب تركيزها بالأساس على إعادة طرفي النزاع في السودان إلى طاولة التفاوض، وأكد كيربي أن واشنطن تشارك بقوة في الجهود الدبلوماسية المبذولة في تلك العملية، وتسعى جاهدة من أجل دفع الطرفين إلى عقد محادثات سلام لإنهاء الحرب.

امتناع منطقي:
وامتنعت الحكومة السودانية عن المشاركة في مباحثات جنيف التي انطلقت يوم الأربعاء بطاولة تفتقد إلى وجود وفد التفاوض الحكومي الذي رفض حزم حقائبه والتوجه إلى سويسرا بعد أن أعلن السودان تمسكه بإعلان جدة كمنبر وحيد للمفاوضات، وكان مشاورات الوفدين السوداني والأمريكي بجدة انتهت يوم الأحد الماضي إلى طريق مسدود بعد فشل واشنطن في حمل ميليشيا الدعم السريع على تنفيذ إعلان جدة، وإصرارها على مشاركة الإمارات العربية المتحدة بصفة مراقب في مباحثات جنيف، ولم تستطع واشنطن حتى الآن أن تقدم مبررات مقنعة للخرطوم بشأن نقل منبر التفاوض من جدة إلى جنيف، وهو الأمر الذي زاد شكوك الحكومة السودانية كيل بعير.

تفاوض بمن حضر:
ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تفقد العشم في إمكانية لحاق وفد الحكومة السودانية بمفاوضات جنيف، إلا أنها أطلقت الضوء الأخضر لانطلاق جلسات التفاوض بمن حضر، وواصلت في الوقت نفسه التواصل مع الحكومة السودانية في محاولات لا تفتر من أجل إقناعها بالانضمام إلى طاولة التفاوض في جنيف،، وأمسية الخميس أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، اتصالاً هاتفياً، مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان.
وجرى خلال الاتصال بحث التعاون المشترك بين الجانبين وسبل تعزيزه وتفعيله، بالإضافة إلى استعراض جهود المجتمع الدولي بقيادة المملكة العربية السعودية وسويسرا لدعم المفاوضات وتحقيق الالتزام بإعلان جدة، ونوه بلينكن بضرورة مشاركة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في هذه المحادثات بشكل عاجل.

حالة جنيفية:
وتبدو حالة التفاوض الجنيفية غريبة الأطوار والحيثيات، فلعلها المرة الأولى التي تُعقد فيها جلسة مفاوضات للتباحث حول أزمة أو قضية، في غياب أحد الطرفين المعنيين بالمفاوضات، ذلك أن المفهوم المتعارف عليه للتفاوض هو عملية يتفاعل فيها طرفان أو أكثر نتيجة لوجود مصالح مشتركة بينهم يتعذر تحقيقها دون الحوار حول الموضوعات المرتبطة بها, وقد يكون ذلك بمناقشة الأهداف والآراء تعبيرياً أو سلوكياً أو حوارياً لتقديم الحجج والأدلة من كل طرف للتوصّل الى اتفاق نهائي يُحقق المصالح المشتركة والتخلص من النزاع، ويتم ذلك من خلال عرض وتبادل وتقريب ومواءمة وتكييف وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الإقناع للحفاظ على المصالح القائمة أو للحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصم بالقيام بعمل معين، أو الامتناع عن عمل معين، في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية تجاه أنفسهم أو تجاه الغير.

سباق لإحداث اختراق:
ويعتقد مراقبون أن مثل هذا المفهوم لم يكن غائباً عن ذهن الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها أحد المسهلين الرئيسيين لإنجاز هذه المفاوضات بما يحقق الأهداف والمقاصد التي من أجلها هيأت سويسرا نفسها لاستضافة هذه العملية برعاية المملكة العربية السعودية، منوهين إلى أن واشنطن تبدو في حالة سباق الزمن من أجل إحداث اختراق في القضية السودانية التي أصبحت قضية رأي عام داخل الولايات المتحدة الأمريكية وقد تُلقي بظلالها على مسار الانتخابات القادمة، خاصة في ظل فشل إدارة جو بايدن في إيجاد معالجات ناجعة للأزمة الفلسطينية ممثلة في الحرب على غزة التي يشاهد من خلالها الناخب الأمريكي مدى الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل حليف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضد الشعب الفلسطيني بممارسة حرب الإبادة الجماعية.

فشل الميسِّر:
إذن فقد فشلت الولايات المتحدة في ملف إسرائيل، وها هي تمضي على ذات الفشل في ملف القضية السودانية، بسقوطها المريع كوسيط أو مسهِّل عاجز على كسب ثقة الطرفين معاً، مفتقدة أهم العناصر التي ينبغي توفرها في الميسِّر وفقاً لما يقوله دكتور عمرو خيري عبد الله خبير دراسات السلام وحل النزاعات، الذي يبين أن الميسِّر الجيد ينبغي أن يتعامل بشخصيته ويكون له حضور أخاذ بنسبة .%100 كما أن الميسِّر الجيد يكون حوارياً في شكله وفضولياً ومستكشفاً ومنفتحاً ويسعى إلى التواصل ومستمعاً جيداً للمشاركين، مستخدماً في ذلك الأدوات الحوارية للتواصل مع المشاركين، وأبان دكتور خيري أن التزام الميسِّر بالمبادئ التي يسعى لوضع الأساس لها يزيد من مصداقيته، ويدعم تأثير دوره كميسر، هذا فضلاً عن وتماشيه مع هذه المبادئ والتزامه بالثقة والانفتاح والأمانة والمساواة، مما يترك أثره على المشاركين.

سابقة فريدة:
وفي ظل الاختلال الواضح الذي يضرب طاولة التفاوض في جنيف بغياب طرف أساسي، وافتقار المسهّل أو الميسِّر لأهلية ثقة الطرفين، تبدو هذه المفاوضات ووفقاً لمراقبين عبارة عن اجتماعات وليست مفاوضات مما يعني أنها حملت جينات فشلها ووُلدت ميتة، ويصف الخبير في فض المنازعات الجنرال معاوية علي عوض الله ما يجري في جنيف بالسابقة الفريدة التي لم تحدث في تأريخ المفاوضات، ولم تُدرَّس في علم التفاوض، وفضّ النزاعات، وقال الخبير معاوية في إفادته للكرامة إن واشنطن تحاول تجريب ” حلاقة على رؤوس السودانيين” بان تعقد هذه المفاوضات بحضور طرف واحد في غياب الطرف الثاني، مبدياً استغرابه من إصرار واشنطن على أن تكون أبوظبي مراقباً في هذه المفاوضات، وأن يجلس الوفد السوداني معها في ذات القاعة، وهو يعلم أن الإمارات هي التي ظلت تدعم الميليشيا المتمردة لوجستياً ومالياً مما أطال أمد الحرب، وقال الجنرال عوض الله إن حفظ الكرامة يملي عدم الجلوس مع الدعم السريع باعتبار أن نفوس الشعب السوداني تفيض غبينة علي يد هؤلاء التتار الذين مارسوا أبشع صور الجرائم والانتهاكات في حق المواطنين الأبرياء والعزل.

قرصنة واحتيال:
ويرى وزير الثقافة السابق والمستشار القانوني الأستاذ الطيب حسن بدوي أن ما يجري حالياً في جنيف ليس سوى قرصنة واحتيال واستغلال للآلية الرباعية المعروفة، وقال بدوي في إفادته للكرامة إن هذه الأمر لا يستند على أيٍّ من المعايير المعروفة في فنِّ وعلم التفاوض، مبيناً أن الوسيط ينبغي أن يحصل على قبول وموافقة الطرفين، وليس إجبارهما، ونوه إلى دور الآلية الرباعية في طباخة ما يحدث في طاولة التفاوض في جنيف باعتبار أن مجموعة الرباعية صاحبة المقولة الشهيرة ” إما الاتفاق الإطاري أو الحرب “، تبحث عن طريقه لتنفذ بها خطتها البديلة رقم خمسة بعد فشل الخطة الأولى بعد قيام الثورة وإسقاط نظام الإنقاذ، وتفكيك القوات المسلحة، واستباحة موارد ومقدرات البلاد، وضرب نسيجها الاجتماعي، والخطة الثانية من خلال فولكر وبعثته الأممية، والخطة الثالثة كانت الاتفاق الإطاري، والرابعة انقلاب حميتي على السلطة الذي فشل فيه، مبيناً أن الخطة الخامسة تقوم على إنقاذ محمد حمدان دقلو من فك الجيش وتوفير شرعية معقولة له، ولحلفائه، والتوصل إلى تهدئة لحين إشعال الحرب مرة أخرى أو تحقيق أهدافهم المعروفة.

خاتمة مهمة:
على كلٍّ تبدو مفاوضات جنيف ( الفاشلة) في حاجة عاجلة إلى الدخول لغرفة الإنعاش ومحاولة إنقاذها، وحفظ ماء وجه واشنطن التي كانت قد لبست ( بدلة ) التحدي بإقامة المنبر من طرف واحد، ولكنها اكتشفت مؤخراً خطل الفكرة، وها هي تعلن على لسان مبعوثها الخاص موافقة ميليشيا الدعم على تنفيذ إعلان جدة، واستجداء الحكومة للانضمام إلى طاولة التفاوض، وقطعاً الساعات القادمة ستحمل بين شاراتها الكثير من التطورات التي سنكشف عنها غداً بشأن مفاوضات جنيف، وإن غداً لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى