سياسيمقالات الرأي والأعمدة
أخر الأخبار

بذلت الغالي والنفيس لجر الخرطوم إلى جنيف "واشنطون وحرب السودان" فقدان البوصلة

إدانات خجولة لجرائم وانتهاكات الدعم السريع..

صمت مريب تجاه مواقف أبوظبي الداعمة للحرب..

خبير دولي: واشنطن غير مؤتمنة وتتخذ الأزمة السودانية قضية داخلية..

إشادة بموقف القيادة السودانية وتغليب المصلحة الوطنية..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو.

قطع مستشار الشؤون الأفريقية في المركز الدولي للدراسات كاميرون هدسون، بانفصال الولايات المتحدة الأميركية عن الواقع السياسي والحقائق على الأرض في السودان، وقال هدسون في تغريدة له على صفحته بمنصة إكس إن واشنطن وقعت في نفس “الفخ” الذي وقعت فيه تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ” تقدم”، معرباً عن خشيته من أن تكون الولايات المتحدة قد ضلت الطريق في محاولتها لفرض وساطة في السودان، وقال يبدو أنه لا أحد يريد وساطتها أو يأخذها على محمل الجد.

تحرك أمريكي:
ومنذ يوليو الماضي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية حمل القوات المسلحة السودانية إلى التفاوض مع ميليشيا الدعم السريع بمنبر جنيف برعاية سعودية وبوساطة أمريكية من خلال دعوة وجهها وزير الخارجية أنتوني بلينكن للطرفين بحزم حقائبهما إلى سويسرا والجلوس معاً بغية التوصل إلى اتفاق لوقف العنف في السودان، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، وتطوير آلية مُحكمة للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق.

رفض سوداني:
ورفضت الحكومة السودانية المشاركة في مباحثات جنيف التي انطلقت أمس الأربعاء، وقالت إنها متمسكة بإعلان جدة كمنبر وحيد للمفاوضات، وقال وزير الثقافة والإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية دكتور جراهم عبد القادر إن الحكومة ترفض إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة بصفة مراقب في مباحثات جنيف، هذا فضلاً إلى أن واشنطن فشلت في محاولة إقناع ميليشيا الدعم السريع بتنفيذ إعلان جدة بالخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية والمرافق والمؤسسات الخدمية التي تحتلها منذ بواكير الحرب.

فشل المشاورات:
وكان لقاء تشاوري عقد في جدة يوم الجمعة الماضية بين وفدي الحكومة السودانية ودبلوماسيين أمريكيين قد فشل، وأعلن رئيس وفد الحكومة السودانية المشارك في المشاورات مع وفد الحكومة الأمريكية محمد بشير أبو نمُّو أن الطرف الأمريكي لم يستجب لمطالب وفد الحكومة والتي تضمنت تنفيذ اتفاق جدة الموقع في 11 مايو 2023، وكانت الحكومة السودانية قد طلبت إجراء هذه المشاورات للتعرف على رؤية واشنطن بشأن هذه المفاوضات، قبل أن تقرر السفر إلى سويسرا للجلوس مع وفد ميليشيا الدعم السريع.
موقف ثابت:
وتشكك الحكومة السودانية في نية الولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة الالتفاف على منبر جدة، وطرح منبر جنيف ليكون بديلاً عنه، مما يعني غسل واشنطن يديها من المخرجات التي كان قد انتهى إليها منبر جدة في إعلانه الصادر في 11 مايو 2023م، وقطع عضو مجلس السيادة الانتقالي نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن شمس الدين كباشي في تصريحات خاصة للكرامة عشية الاحتفال بالذكري السبعين لأعياد الجيش، بإلا تفاوض مع ميليشيا الدعم السريع إلا بعد الالتزام بتنفيذ إعلان جدة باعتباره الأساس لأي تفاوض، وأكد الفريق كباشي التعاطي الإيجابي مع المبادرات التي تقود إلى تحقيق تطلعات الشعب السوداني وتصون حقوقه وتحترم سيادة البلاد وأمنها ووحدتها.
غير مؤتمنة:
ويقول خبير دولي في النزاعات فضَّل حجب اسمه إن الولايات المتحدة الأمريكية غير مؤتمنة لتكون وسيطاً في معالجة الأزمة في السودان، وأبان في إفادته للكرامة أن واشنطن تعلم تماماً أن ميليشيا الدعم السريع ترتكب الجرائم والفظائع والإبادة الجماعية والانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وتخترق القانون الدولي الإنساني في اليوم مئات المرات، وقد تم تمليك المبعوث الأمريكي الخاص في لقاء الجمعة الماضي بجدة، آخر جرائم الميليشيا المتمردة بقصف مستشفى الدايات بعد ساعات فقط من افتتاحه، وقبلها استهدفت الميليشيا المتمردة مستشفى النو وغيرها من المرافق الصحية والخدمية، منوهاً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد فرضت من قبل حظراً وعقوبات على السودان زهاء العقدين من الزمان بسبب جرائم ارتكبتها ميليشيا الجنجويد نفسها في إقليم دارفور وبذات القيادات، ولكنها ترفض الآن حظر الجنجويد وإيقاف ما يفعلونه في كل السودان.
إدانات ولكن:
ويوم الاثنين الماضي دوَّن المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو تغريدة له على صفحته بمنصة إكس أدان من خلالها جرائم وانتهاكات ميليشيا الدعم السريع، وأبدى بيرييلو قلقه البالغ إزاء التقارير الواردة عن قصف قوات الدعم السريع مؤخراً لمنازل المدنيين والمستشفيات ورياض الأطفال، وقال إن مقتل المدنيين الأبرياء، ولا سيما الأطفال، أمر غير مقبول، وكانت مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن الدولي السفيرة ليندا توماس غرينفيلد قد أدانت نهاية العام الماضي المذابح المروعة التي كانت قد ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في مختلف أنحاء ولاية غرب دارفور، واستهدافهم عرقي لمجموعة المساليت ذات الأصول الأفريقية واحتجاز تعسفي للمدنيين، بما فيهم قادة محليين ومدافعين عن حقوق الإنسان وناشطين.

قضية داخل أمريكي:
ومن هنا فإن واشنطن ترسل إدانات خجولة للانتهاكات والجرائم التي ترتكبها ميليشيا الدعم السريع دون أن تتبع الإدانات بقرارات تؤكد جديتها في وقف الحرب، ويؤكد الخبير الدولي في فض النزاعات أن الموقف القوي للقيادة السودانية برفضها الذهاب لمنبر جنيف ووضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار، قد دفع واشنطن إلى تقديم بعض التنازلات ومحاولة مغازلة السودان بمثل هذه الإدانات، مبيناً أن القضية السودانية أصبحت بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية شأناً داخلياً خاصاً تحاول من خلاله مخاطبة الرأي الداخلي الأمريكي في الانتخابات القادمة بعد أن فشلت في إحداث اختراق في قضية غزة، مبيناً أن التحرك الأمريكي لعقد مفاوضات في جنيف ليس من أجل عيون السودانيين، ولا من أجل مصلحة السودان، ولا مكانة السودان التأريخية ولا الجيوسياسية، ولا حتى ولا مصلحة المجتمع الدولي، وإنما هي مصلحة أمريكية بحتة تتعلق بالسباق الانتخابي.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فإن الولايات المتحدة على علم بانتهاكات الدعم السريع وفي مقدورها أن توقف هذه الاعتداءات، وتوقف دولة الإمارات، التي تغذي هذه الحرب بالعتاد الأمريكي الذي يأتي عن طريق أبوظبي، وإذا كانت الولايات المتحدة جادة في إيقاف هذه الحرب كان يمكن أن تصدر قرارات تدين الميليشيا وتدين الإمارات، مما يؤدي إلى وقف الحرب تلقائياً دون الحاجة إلى الذهاب إلى جدة وجنيف وغيرها من المنابر من أجل المساواة بين الجاني والمقتول ومحاولة إجلاسهما معاً للتوصل إلى اتفاق!، في محاولة أخيرة من المجتمع الدولي لإرضاخ القضية السودانية لمفاهيمه المتناقضة، وتحركاته التي تعكس ازدواجية المعايير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى