ود الفحل نجم لا يأفل ومجالس شاهي ضحي مدارس.. بقلم: حاتم السر سكينجو المحامي
جمع الله تعالى في شخصية عمنا المغفور له باذن الله تعالي،فقيدنا الغالي عثمان عبدالرحمن الفحل المشهور بـ( شاهي ضحي ) ، كل الصفات الحميدة، البشاشة، والابتسامة، وسعة الصدر، والكرم، والتواضع، وعلو الهمة، والرأي السديد، والحكمة، والسماحة والملاحة ،والظرف الذي لا يباري، والأدب الرفيع، وجبر الخواطر،والمودة والمحنة لمن يعرفه ولمن لا يعرفه لدرجة أن الزائر الجديد الذي يلتقيه لأول مرة يشعر كأنه يعرفه منذ عشرات السنين.تعرفت علي الفقيد العزيز لأول مرة في عام 1994 ، في القاهرة ، مصر الجديدة ،ارض الجولف ،حيث كنت أسكن بجوار الرقابة الادارية ،وقد عرفني به ابنه الشقيق معتز الفحل الذي كان وقتها ناشطا سياسيا وقياديا متميزا في رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين بالجامعات المصرية،وكانت بصحبة ورفقة الفقيد بعض افراد أسرته الكريمة منهم زوجته ورفيقة دربه وتوأم روحه (حاجة آمنة )وبنتها الصغيرة (الفارسة مهيرة )وانا كانت معي والدتي (الحاجة السهوة) فتبادلنا الزيارات وتوطدت بيننا الصلات وتوثقت العلائق واصبحنا كالاسرة الواحدة .قضي معنا الفقيد العزيز اجازة ظريفة ومليحة ،وترك لدينا انطباعا مريحا ،وجعلني أشعر وكاننا نعرف بعضنا البعض منذ عشرات السنين ،ومنحني احساس انه يعاملني بطريقة خاصة ،ويمنحني اهتماما وعناية فائقة ومخصوصة، بيد اني اكتشفت عندما أتي الينا في اسمرا، ومكث معنا فترة طويلة قبل زواج ابنه معتز وبعده ،وتمددت علاقاته في كل الاتجاهات، فاكتشفت ان الفقيد كان يعامل كل معارفه بذات المستوي من الرقي ،وبنفس الطريقة من الحميمية، فهو حبيب الشعب وصديق الكل ،يدخل في قلوب الناس بدون استئذان، يألف ويؤلف، ويندمج بدون حواجز ،ولديه قدرة خارقة سحرية علي الدخول في قلوب الاخرين بسرعة فائقة وكسر الروتين وتحطيم الحواجز امام بناء روابط وعلاقات اجتماعية قوية وناجحة رجل لا تمله وان بقي الي جوارك العام كله، فهو قادر علي سرد القصص والحكايات بدون اعادة ولا تكرار. سبحان الله من المستحيل ان تجد الفقيد العزيز،مشتت الافكار، او مضطرب او متوتر، بل تجده دائما في أفضل الحالات،مشبعا بالتفاؤل ، مليئا بالسعادة ، واثقا من النفس ،مرتفع المعنويات ومشبعا بالاسترخاء، فأصبح مصدرا لتوزيع الطاقة الايجابية لمعارفه ورواد مجالسه ولمجايليه ،يخلق جوا مريحا،ويبث فكرا ناضجا ، ويقص قفشات لا تنتهي لقد كان انسانا فريدا من نوعه علي بساطته تحيط به هالة من العظمة والوقار الفطرى، ممزوجة بالتواضع.
اليوم اصبح معروفا بان مجالس الناس ،لا تطيب الا بتناول وجبة دسمة من لحوم البشر، قطيعة ونميمة وغيبة وفحش وكذب وسب ولعن.ورواد تلك المجالس بكل اسف لا يملون من تكرار تناول تلك الوجبة كلما اجتمع شملهم ، بيد أن مجالس (شاهي ضحي) لا تعرف هذه الصفات الدميمة والعادات الذميمة ،فقد كانت نفسه منزهة من الخنا، ولسانه منزه من البذاءة ،ولم يكن فاحشا ولا ذميم، ولا مشاء بنميم، بل كان فاكهة المجالس يرسم الابتسامة ويغرس السعادة في نفوس ووجوه زائريه بروح الفكاهة والمرح والطرفة وبحلو الحديث وجمال المنطق وعذوبة السرد وكان لا يقول الا خيرا.مجالس ود الفحل لمن يعرفونها ويرتادونها كانت مدرسة متفردة أكدت أن المجالس مدارس، هكذا كنا نستمع إلى حكايات وطرائف ومواقف حيث يمتعك الفقيد العزيز بقصص الحياة وتجارب الايام ومحطات العمل وتقلبات الدهر باسلوبه الطاعن في السخرية.
معظم من يعرفون الفقيد العزيز ود الفحل عن قرب، يدركون أن الرجل كان خفيف الروح. وشخصيته تتدفق مرحا وحيوية. وهو كثير التنكيت، تجده هاشا باشا، طلق المحي، يوزع البسمات، ويتبادل النوادر والضحكات مع الجميع. وكان يجتهد في كسر الروتين، ومقاومة الرتابة بتطعيم كلامه بمصطلحات ساخرة، تزرع البسمة وتبسط الراحة في سامعها. ويكفينا التذكير بأنه أطلق ألقابا لمعظم معارفه لا يتسع المجال لذكرها، وأكثر ما كان يضحكني عندما التقيه حيث كان يمعن النظر الي وجهي ويقول لي: انت لسه مابقيت بمبي ، وتسمية “البمبي” كود ينعت به الطبقة المخملية المرتاحة من كبار المسؤولين في الدولة !! وكان يعدد لي بعض الاسماء ويدعوني الي التدقيق في النظر الي وجوهها مشيرا الي انها تحولت الي اللون “البمبي” ولم تخل أحاديثه من إضافة بعض التوابل في تعابيره الساخرة لتلطيف الأجواء، وتهدئة الأعصاب وهي مبطنة بتوجيه رسائل وانتقادات ذكية لمختلف المواقف والأوضاع والممارسات السياسية والثقافية والاجتماعية، من أبسط مواطن، إلى أكبر مسؤول في هرم الدولة.ويشهد كل من يعرف الفقيد بان انتقاداته وتعليقاته الساخرة، لا تخلو من روح المسؤولية والموضوعية.
الفقيد العزيز عثمان عبدالرحمن الفحل ،من أهالي الجزيرة مساوي بديار الشايقية من نواحي ريفي مروي، فإذا عرفنا من هم أجداده وآباءه الكرام ، فلا نعجب من شخصيته وأخلاقه، ود الفحل تربى في أحضان بيت عريق وكبير وأصيل وكان منذ صغره محاط بجوٍ تملأه السماحة والأصالة والخُلق القويم، والكرم والحلم والتمسك بالدين، كل ذلك من طباع أجداده وآبائه في جزيرة مساوي. وما ادراك ما مساوي الجميلة مساوي لؤلؤة النيل وأرض النخيل بلد الخضرة والماء والوجه الحسن، أرض المحنة والعلم والدين، موضع ميلاد الحسيب النسيب مولانا السيد علي الميرغني، مساوي نخلة شاربة من محاية أهل الله كما قال الشاعر الدكتور محمد بادي .اما ابن مساوي (شاهي ضحي) عثمان الفحل فقد جمع المجد من كل أطرافه فهو شايقي وختمي واتحادي وهلالابي وكان حكاية ورواية بدأت فصولها من المنبع من الجزيرة مساوي وامتدت الي كلية الاحفاد في ام درمان وانتقلت الي الروصيرص والدمازين ومن ثم الي سنار ثم مرة اخري الي ام درمان وصولا الي فصل الختام في الدوحة. ومن جزيرة مساوي الي الدوحة كانت هناك محطات متعددة في حياة الفقيد العزيز،مليئة بالطرائف والحكايات والقصص، التي تملأ كتابا، وليتنا كنا قمنا بتسجيل وتوثيق تلك المحطات المليئة بالاقوال والافعال الحكيمة،والكلمات البليغة الموجزة، التى صدرت عن أشخاص حكماء، خَبروا الحياة بحلوها ومرها، وعبروا عن تجاربهم بتلك الكلمات لكي تتوارثها الأجيال، وتستهدي بها فى المواقف المشابهة.
وما جمع بيني وبين الفقيد ود الفحل واسرته الكريمة يصعب حصره وتعداده فى مقال واحد،فقد كانت سنوات طوال من العشرة النبيلة والالفة والمودة والاخوة الصادقة،عشنا ايامها وشهورها واعوامها،علاقات اسرية ممتدة ومملوءة بالأنس الجميل، والحوارات الجادة ، والأعمال المشتركة .وحظيت خلالها بشرف التعرف على أبناء الفقيد والتقرب منهم وهم نعم الابناء والبنات وخير امتداد لوالدهم وكان والدهم يرحمه الله يقول أنه من أبكار المتعلمين في البلاد ومن كبار الموظفين الذين جاسوا خلال المدن السودانية المختلفة متبوئا مواقع قيادية في الحكومة ولم يخرج بشيء من هذه الحياة سوي بنعمة الله عليه بابنائه وبناته الذين كان شديد الاعجاب والاعتزاز والفخر بهم جميعا، فهم امتداد لروحه،ويلمح فيهم ذاته ، ألا رحم الله عمنا حاج عثمان عبدالرحمن الفحل (شاهي ضحي) رحمة واسعة وتقبله قبولا حسنا واسكنه اعلي الفراديس الي جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . اللهم اطرح البركة في ذريته ،أولاده معتز،بكرى ،يحي ،مامون والداودى، وبنتيه حنانة ومهيرة، ورفيقة دربه حاجة آمنة اللهم أمنحهم الصبر على فراق والدهم البشوش .والعزاء موصول لسائر الاهل والعشيرة في جزيرة مساوي ، ولجميع أصهاره وأحفاده وأصدقائه وجيرانه وزملائه ومعارفه داخل وخارج السودان.انا لله وانا اليه راجعون.ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
اللهم أمنحهم الصبر على فراق والدهم البشوش .والعزاء موصول لسائر الاهل والعشيرة في جزيرة مساوي ، ولجميع أصهاره وأحفاده وأصدقائه وجيرانه وزملائه ومعارفه داخل وخارج السودان.انا لله وانا اليه راجعون.ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.