محمد فتح الرحمن بشير واقع الإعلام الإلكتروني في السودان: تأملات من الداخل

*واقع الإعلام الإلكتروني في السودان: تأملات من الداخل…*
….تجربتي ورؤيتي لتطوير الإعلام الإلكتروني في السودان
محمد فتح الرحمن بشير
مقدمة
من خلال عملي الطويل وتأملي المستمر في مشهد الإعلام الرقمي، أدركت أن السودان يمتلك طاقات إعلامية هائلة، لكنه لم يُوظف بعد الإمكانات الرقمية بما يوازي روح هذا العصر. ومع أن الإعلام الإلكتروني صار اليوم هو الواجهة الأساسية للتأثير والتغيير، فإن كثيرًا من مؤسساتنا الإعلامية ما زالت حبيسة الأنماط التقليدية أو تحاول مواكبة الرقمنة بنَفَس ضعيف أو غير ممنهج.
من هنا أكتب هذه الرؤية، ليست فقط كتحليل نظري، بل كخلاصة تجربة ميدانية وفكرية عشتها، وعبرها أؤمن أن الإعلام الإلكتروني يمكن أن يكون أداة نهضة لا تقل أهمية عن التعليم أو الاقتصاد، إذا أحسنا بناؤه.
…………….
واقع الإعلام الإلكتروني في السودان: تأملات من الداخل
خلال سنوات عملي وخبرتي ، لاحظت أن الإعلام الرقمي في السودان يواجه عدة تحديات بنيوية:
. ضعف البنية التحتية التقنية داخل المؤسسات الحكومية والخاصة.
. نقص الكفاءات المدربة على أدوات ومنهجيات الإعلام الرقمي الحديث.
. غياب الرؤية الموحدة: كل جهة تعمل بمعزل، بلا استراتيجية وطنية أو تنسيق.
. تأخر التشريعات القانونية التي تنظم الإعلام الرقمي وتحميه.
لكن في المقابل، هناك جمهور شاب، متفاعل، متعطش للمحتوى، وجاهز للدخول في فضاءات الإعلام الجديد، وهذا مكسب كبير لا يجب تجاهله.
فما الذي نحتاج إليه؟ خلاصة خبرتي وملاحظاتي
1. بيئة رقمية حقيقية، لا شكلية..
كثير من المنصات السودانية موجودة على الإنترنت، لكنها لا تقدم تجربة إعلامية متكاملة. الإعلام الإلكتروني ليس فقط “موقع إلكتروني” أو صفحة فيسبوك، بل هو بنية تفاعلية حيوية، تشمل التصميم، السرعة، الأمان، وأسلوب التقديم.
2. محتوى سوداني حقيقي ومعاصر
من خلال متابعتي لردود الجمهور، يمكنني القول إن الناس تريد محتوى يشبهها، يعبر عنها، وبلغة تفهمها. لا نحتاج استنساخ تجارب عربية أو غربية، بل صناعة محتوى يعكس تنوعنا الثقافي والاجتماعي، ويُقدَّم بروح العصر.
3. التدريب والتاهيل .. كوادر بشرية مؤهلة ومتمكنة
وخلال تدريبي لبعض الزملاء، لاحظت الشغف الكبير، لكنه غير مدعوم بأدوات أو تدريب احترافي. نحتاج إلى تكوين جيل من الإعلاميين الرقميين يفهمون البرمجة، التحرير الرقمي، التسويق الإلكتروني، والتفاعل مع الجمهور.
4. تهييئة و تمكين وزارة الإعلام والثقافة
رغم الجهود المشهودة، تحتاج الوزارة إلى تمكين حقيقي في الملف الرقمي: من حيث الميزانيات، التشريعات، وتأسيس مراكز إنتاج رقمي متخصصة تُدار بكفاءات شابة وخبرات إعلامية.
5. نحتاج الى تشريعات ذكية وحديثة
كإعلاميين، نحتاج قوانين تحمينا وتحفزنا، لا تقيّدنا. تشريعات تعترف بالنشر الإلكتروني كمجال عمل رسمي، وتمنح المحتوى السوداني حماية واعترافًا.
رسالتي: الإعلام الرقمي ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية
بكل صدق، لا يمكننا الحديث عن “نقل صورة السودان للعالم” دون إعلام إلكتروني وطني قوي. لا يمكننا مخاطبة شبابنا أو التأثير في وجدان المواطن العادي بدون الدخول إلى هاتفه وشبكته وحياته اليومية من خلال محتوى رقمي غني ومحترم.
رسالتي لكل الجهات الرسمية والخاصة: دعونا نمنح الإعلام الرقمي ما يستحقه من جدية وموارد. فصوت السودان يجب أن يُسمع، وصورته يجب أن تُرسم بإبداع سوداني حقيقي.