دولة القانون.. نهاية الحرب [3].. بقلم.. عبدالعظيم حسن المحامي
ما كان للمؤسسة العسكرية أن تستأسد بمقاليد حكم السودان وتصبح أكبر حزب سياسي لولا فشل القوى السياسية في تأجيل الصراع على سلطة غير مستحقة حتى ينقضي الانتقال. هذا السلوك غير المسؤول أثناء المراحل الهشة لا يعد فشلاً أو تفريطاً في الثورة وإنما إغراء لعودة دائرة الحكم الشمولي الخبيثة.
لا في ظل الأنظمة العسكرية ولا الفترات الانتقالية كانت بيئة العمل السياسي أو النقابي جاذبة بل على العكس طاردة لمعظم علماء السودان وكفاءاته المهنية التي لم تجد من بد غير ملاذات الهجرة الآمنة. صحيح أن معظم بيوت السودان تعتمد في معاشها على المغتربين إلا أن النظرية الأصح تكمن في تعليم الصيد وليس تقديم الوجبة جاهزة. بجانب عدم المشاركة انتقلت مع معظم الجاليات نفس الأمراض وواقع الفشل الذي لازمنا. ففي مهاجرهم يتداعى الكثيرون على الحفلات الصاخبة وطاولات الكوتشينة العامرة بالوجبات الدسمة بينما تخلو أجندتهم، حتى في زمن الحرب، عن خطط إعمار الوطن الذي غادره بعضهم وأولادهم إلى غير رجعة.
روابط الأطباء والمهندسين والقانونيين والمعلمين وأساتذة الجامعات وغيرهم ممن اجتمعوا ونجحوا في تأسيس روابط وكيانات مهنية بمدن النزوح والمهاجر عليهم أن يستعينوا بوسائل التقنية في تقديم البرامج والخطط لإعادة الإعمار مع الانخراط في مشاورات واسعة لتسمية أكفأهم ليقود المرحلة. في ظل تعذر تنظيم أي انتخابات يبقى المعيار الذي لا خلاف حوله التوافق على تسمية الأكفأ. فبدلاً عن مقارعة طواحين الهواء داخل القروبات، فعلى كل أصحاب مهنة، ولو على مستوى القروبات، أن يبتدروا نقاشاً جاداً مسمين الأنسب لتولي الملف الهندسي والصحي والزراعي والاقتصادي والبيئي والإداري وهكذا. حتى وإن لم يتم التوافق على أشخاص بعينهم فيجب أن تنشغل القروبات بتزكية مجالس استشارية تتألف من خمسة عشر شخصاً يعهد لهم تسمية من يتولى القيادة بكل مرفق من مرافق الدولة. البدء في البحث عن الكفاءات التي ستقود المرحلة سيطرح، وبالضرورة، مناقشة الرؤية الدستورية الأنسب لمرحلة ما بعد الحرب.