جريدة الأهرام .. قرناً ونصف من الزمان رمزاً للاعلام القومي في أفريقيا.. بقلم الدكتور حسن غزالي
أقدم صحيفة إفريقياً، وعربياً والأعرق في منطقة الشرق الأوسط، وواحدة من أشهر الجرائد القومية، بل أهم وأعرق المؤسسات الوطنية المصرية، عُرِفت بتحري المصداقية والدقة فيما تنشر، وكانت هي البوابة الأولي لفنون الصحافة في مصر. ومازالت ديوان الحياة المعاصرة منذ تأسيسها عام ١٨٧٥، علي يد الأخوان اللبنانين سليم وبشارة تقلا، المُقيميّن في مصر آنذاك، وستظل هي المدون والحافظ للتاريخ السياسي وللأحداث الاجتماعية الهامة للدولة المصرية.
ففي كتاب: “جريدة الأهرام: تاريخ مصر فى خمس وسبعين سنة”، للدكتور إبراهيم عبده، الصادر عن دار المعارف بمصر، ١٩٥١، من تقديم طه حسين، يلخص فيه الكاتب وصف العميد لجريدة الأهرام في كلمته قائلاً:
«الأهرام هى ديوان الحياة المصرية المعاصرة. حفظت الأهرام دقائق الحياة المصرية منذ خمس وسبعين عاما على اختلاف ألوان هذه الحياة وتباين فنونها ومذاهبها. حفظت الأهرام دقائق الحياة السياسية منذ أواخر عهد إسماعيل فسجلت ما كان بين مصر وبين أوروبا من تقارب وتباعد وتواصل وتقاطع، فى تلك الفترة الدقيقة من حياة المصريين، وسجلت الثورة والاحتلال، وسجلت المقاومة المصرية الخفية ثم المقاومة المصرية الظاهرة ثم الثورة على الاحتلال والمحتلين، ثم ما كان بعد ذلك من الأحداث الجسام التى تتابعت إلى الآن».
وعلي مدار تاريخها حصلت الأهرام على العديد من الجوائز المحلية والدولية تقديرًا لجودتها الصحفية وإسهاماتها في الإعلام، من بينها جائزة الصحافة العربية بامتياز حيث استحوذت الأهرام على العديد من الجوائز في فئات مختلفة ضمن تلك الجائزة التي ينظمها نادي دبي للصحافة، فضلا عن جوائز التفوق الصحفي التي حصل عليها العديد من صحفيي الأهرام من نقابة الصحفيين المصرية، وذلك في مختلف المجالات الصحفية بما في ذلك التحقيقات الصحفية، المقالات، والتقارير الإخبارية، كما حصلت الجريدة أيضاً علي جائزة الدولة التقديرية لاسهاماتها ودورها الريادي في مجال الصحافة والاعلام.
كما شهدت صفحات الأهرام عبر عقود اسهامات أعظم الكتاب العرب، ومثّلت اولي صفحات الرأي العربية، وكان أوائل هؤولاء الكتاب العالم الأزهري محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، كما ترأسها العديد من عظماء السياسين، وكبار رجال الدولة والعديد الأدباء العرب من بينهم، الصحفي والمفكر الكبير محمد حسنين هيكل، والروائي الكبير يوسف السباعي، وإحسان عبدالقدوس.
بدأت جريدة جريدة الأهرام أولي اصداراتها في عام ١٨٧٦ كجريدة اسبوعية تصدر يوم السبت مكونة من أربعة صفحات فقط، واصبحت جريدة يومية في يناير ١٨٨٩، انطلقت من محافظة الاسكندرية كعاصمة للثقافة المصرية في ذلك الوقت، فانطلقت الصحيفة يومها تحديداً من مكتبة المنشية، لتُشكّل لأول مرة ثورة في علاقة المجتمع بالمعلومة، ولم توزع تلك الصحيفة داخلياً فقط، بل ذاع سيطها في الأرجاء ووصلت أعدادها الاسبوعية، لسوريا، ولبنان، والجزائر وتونس، وعدد من البلدان الآسيوية، من بينها، بومباي في الهند، وامتد توزيعها لأوربا في وقت لاحق.
تصدّرت كلمة “الأهرام” الصفحة الأولي مع رسم صغير للأثر الفرعوني الحامل لنفس الاسم، فيما علت علامة الهلال والنجمة ذلك الشكل، كما قُسم العدد إلي صفحتان وأربعة أوجه، وقُسّم كل وجه إلي عدة فقرات في ثلاثة أعمدة، يفصل كل عامود منها خط يحمل زخرفة خفيفة، فيما حوَّت هوامش الصفحتين الأولي والثانية بعض اسباب اختيار الاخوين لاسم الجريدة سارديَن تاريخ أهرام الجيزة العتيقة، ومُحلقين بين أقوال المؤرخين عن تلك الآثار، وأصل كلمة “بيراميد”، في اللغات القديمة، فضلا عن الفقرات الأخري كفقرة «اعلان» وفقرة «بريد القراء» وفقرة الاعلان عن اسعار الصادرات كما نقلت بين جمباتها من أخبار عما يدور في الأرجاء أنذاك.
تحرّي مؤسسوها الدقة فيما ينقلون، واهتم الصحفي سليم بشارة في كلماته الافتتاحية، بالوصول للمواطن البسيط، وكسب رضا الجمهور، وحث الجميع علي القراءة ومطالعة الحديث من خبر الأمم، بل ودعا ذوي الهمة والغيرة منهم إلي مد يد العون والمشاركة في اثراء محتوي الجريدة، ومن بين الخطوات التي اتخذها في سبيل وصول الجريدة لكل أرجاء المعمورة وناسها، أن جعل الاشراك بها بثمن زهيد، لا يتعدي ١٥فرنكاً كاشتراك نصف سنوي، و٢٣فرنكاً للاشتراك السنوي.
وأدركت الأهرام أهمية التكيف مع العصر الرقمي، وأطلقت موقعها الإلكتروني في أوائل التسعينيات، وفي العقد الأخير، طورت منصاتها الرقمية لتشمل التطبيقات المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، ووفقًا لإحصائيات عام ٢٠٢٣، بلغ عدد زوار موقع الأهرام الإلكتروني أكثر من ١٠ ملايين زائر شهريًا، مما يعكس قدرتها على جذب جمهور جديد ومتنوع، من خلال محتوي ثري وموثوق يُلبي احتياجات القراء.، وتحمل الآن فروعاً في العديد من دول العالم، بلغات عدة، وموقعاً إلكترونياً، يحمل زخماً ثقافياً منقطع النظير في جميع المجالات.
هكذا تظل الأهرام منارة للإعلام المصري والعربي، تستمد قوتها من تاريخها العريق وقيمها الصحفية الراسخة. في الذكرى الـ ١٤٩ لتأسيسها، تواصل الأهرام سعيها نحو التميز والابتكار، وتواصل رسالتها في تقديم الحقيقة وخدمة القضايا الوطنية، بفضل التزامها بالجودة والمصداقية، وتظل الأهرام نموذجًا يُحتذى به في عالم الصحافة، وتستمر في إلهام الأجيال الجديدة من الصحفيين والمثقفين المؤثرين في عالمنا